روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | الثوابت والمتغيرات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > الثوابت والمتغيرات


  الثوابت والمتغيرات
     عدد مرات المشاهدة: 2572        عدد مرات الإرسال: 0

ميّز الله تعالى الشريعة الإسلامية وخصّها بجملة من الخصائص لعل من أبرزها: الجمع بين الثوابت والمتغيرات، تسهيلاً على العباد، ورفعًا للحرج والمشقة، ومطلباً مهماً لتحقيق إستمرارية الشريعة إلى قيام الساعة، مع مراعاتها لتغيّر الأزمان وتبدّل الأحوال وإختلاف الظروف.

فالثوابت مع المتغيرات استمرارٌ بلا جمود، وتقدمٌ بلا إنحراف، وسعةٌ بلا تفريط، ونظام بلا إفراط، وهنا تكمن أحد جوانب عظمة الدين، وربانية التشريع وعمومية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

والتعامل مع المتغيرات والثوابت ليس وليد اليوم، أو حديث الساعة، بل بحثه الفقهاء من السلف وأصّلوه وأشبعوه بحثاً وشرحاً، وإن لم يكن تحت نفس المسمى، ولعل أحد أقرب المصطلحات التي تناولت الثوابت والمتغيرات مايطلق عليه الأصوليون -القطعيات والظنيات- أو الأحكام القطعية والأحكام الظنية.

اليوم يحدث لبس كبير أو بالأحرى تلبيس في المفاهيم من قِبَل خصوم الإسلام وأعدائه، في محاولة لتحجيم دور الإسلام في حكم حياة المجتمعات والتزام الأفراد، مستغلين وسائل الإعلام في تشويه ممارسات صحيحة إرتبطت بمتغيرات أوجبت إختلافاً في هذه الممارسات بين مجتمع ومجتمع أو زمن سابق والزمن الحاضر، أو ينتقون ممارسات مشوَّهة لتعميم صفتها على الثوابت للنيل منها، محاولين ربط هذه الممارسات المشوّهة بأصل الأحكام الشرعية لا بالممارسين لها.

إن الإختلاف في تطبيق الأحكام الشرعية، أو الممارسات الخاطئة لها لا يعني خطأ تلك الأحكام، أو زوال تلك الثوابت، والمطالبة بتنحيتها إستناداً إلى نتائج التطبيق الخاطئ لها، وهذا من التلبيس المتعمّد أو الفهم القاصر -مع إحسان الظنّ- لمن يروّج لهذا التلبيس دون إدراكه لمآلاته.

ولعل من أبرز القضايا التي يحدث فيها التلبيس بين الثوابت والمتغيرات في وقتنا الحاضر ويأخذ زخماً هائلاً في وسائل الإعلام المختلفة، وتشرَأبُّ إليه أعناق كثيرين في مواقع التواصل الإجتماعي وتدور حوله السجالات أربع قضايا تكاد تسيطر على المشهد وتُخْتَزلُ فيها الطروحات:

=الأولى: الإيمان بالله تعالى وربطه بحرية الفكر والتعبير عن الرأي، وإستبعاد مصطلح الردّة والتكفير.

=الثانية: الجهاد وربطه بالإرهاب.

=الثالثة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو ما يعبر عنه بمصطلح الإحتساب وربطه بالحرية الشخصية.

=الرابعة: قضايا المرأة بصفة عامة وربطها بالإتفاقيات الدولية.

ولعل المتابع لطروحات عددٍ من وسائل الإعلام في مجملها يلاحظ أنه يتعامل مع هذه القضايا الأربع بصفتها متغيرات لا ثوابت فيها، وهذا منبع السجال في مواقع التواصل الاجتماعي.

أجيال الأمة القادمة تحتاج من الجيل المعاصر تأصيل الثوابت الشرعية، وترسيخ القيم الإسلامية حتى لا تفقد هويتها، ولا بد أن يعي الجميع أن طوفان المتغيرات إن لم تضبطه سدود الثوابت فإنه سيجرف بفيضانه قواعد الدنيا قبل أن يُسقِط شُرُفات الدين، وإن نشأ الجيل على نمط من الحياة متغير بلا ثوابت، فإنه لن يقف عند حدٍّ أو يحترم أحداً.

لا أحد ينكر وجود ممارسات خاطئة في إنزال أحكام الثوابت على الواقع وفق المتغيرات، أو جمود بعض العلماء عن مواكبة المتغيرات، وركونهم إلى الثابت طلباً للسلامة أو الدعة، ولكن هذا لا يعني أن ندع الحبل على الغارب، بل المفترض أن نؤكد على وجوب التصحيح، وأن نقول للمخطئ أخطأت وللمسيء أسأت، وأن نطالب العلماء بالقيام بما أوجب الله عليهم من البيان للناس، ونؤازرهم في ذلك.

إن ثبتنا بلا متغيرات تجاوَزَنا الزمن، وإن تغيَّرنا بلا ثوابت أضعنا الطريق، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.

الكاتب: سعود بن محمد بن عبدالعزيز الشويش.

المصدر: موقع لها أون لآين.